فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

{وَدَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتَهُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً واحدة} أي بالقتال.
عن ابن عباس وجابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بأصحابه الظهر، ورأى المشركون ذلك، فقالوا بعد ذلك: بئسما صنعنا حيث لم نقدم عليهم، وعزموا على ذلك عند الصلاة الأخرى، فأطلع الله نبيّه صلى الله عليه وسلم على أسرارهم بهذه الآية. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَدَّ الذين كَفَرُواْ} أي تمنّى وأحبّ الكافرون غفلتكم عن أخذ السّلاح لِيَصلوا إلى مقصودهم؛ فبين الله تعالى بهذا وجَه الحكمة في الأمر بأخذ السلاح، وذكر الحِذْر في الطائفة الثانية دون الأولى لأنها أوْلى بأخذ الحِذْر، لأن العدّو لا يؤخّر قصده عن هذا الوقت لأنه آخر الصلاة؛ وأيضًا يقول العدّو قد أثقلهم السلاح وكَلّوا.
وفي هذه الآية أدلّ دليل على تعاطي الأسباب، واتخاذ كل ما يُنجي ذوي الألباب، ويوصّل إلى السّلامة، ويبلغ دار الكرامة.
ومعنى {مَّيْلَةً وَاحِدَةً} مبالغة، أي مستأصلة لا يُحتاج معها إلى ثانية. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ}
المعنى أنه إن تعذر حمل السلاح إما لأنه يصيبه بلل المطر فيسود وتفسد حدته، أو لأن من الأسلحة ما يكون مبطنًا فيثقل على لابسه إذا ابتل بالماء، أو لأجل أن الرجل كان مريضًا فيشق عليه حمل السلاح، فههنا له أن يضع حمل السلاح. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ} الآية.
للعلماء في وجوب حمل السلاح في الصلاة كلام قد أشرنا إليه، فإن لم يجب فيستحب للاحتياط.
ثم رخّص في المطر وضعه؛ لأنه تبتلّ المبطنّات وتثقل ويصدأ الحديد.
وقيل: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم يوم بطن نَخْلة لما انهزم المشركون وغنم المسلمون؛ وذلك أنه كان يوما مَطِيرا وخرج النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته واضعا سلاحه، فرآه الكفار منقطعًا عن أصحابه فقصده غورث بن الحارث فانحدر عليه من الجبل بسيفه.
فقال: من يمنعك مني اليوم؟ فقال: «الله» ثم قال: «اللّهُمّ اكفني الغورث بما شئت».
فأهوى بالسيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه، فانكب لوجهه لزلقة زلقها.
وذكر الواقديّ أن جبريل عليه السلام دفعه في صدره على ما يأتي في المائدة، وسقط السيف من يده فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «من يمنعك مني يا غورث»؟ فقال: لا أحد.
فقال «تشهد لي بالحق وأعطيك سيفك»؟ قال: لا؛ ولكن أشهد ألا أقاتلك بعد هذا ولا أعين عليك عدّوًا؛ فدفع إليه السيف: ونزلت الآية رخصةً في وضع السلاح في المطر.
ومَرِض عبد الرحمن بن عَوْف من جرح كما في صحيح البخاري، فرخص الله سبحانه لهم في ترك السلاح والتأهّب للعدّو بعذر المطر. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَدَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً واحدة} بيان لما لأجله أمروا بأخذ السلاح، والخطاب للفريقين بطريق الالتفات أي تمنوا أن ينالوا منكم غرة في صلاتكم فيحملون عليكم جملة واحدة، والمراد بالأمتعة ما يمتع به في الحرب لا مطلقًا وقرئ أمتعاتكم والأمر للوجوب لقوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ} حيث رخص لهم في وضعها إذا ثقل عليهم حملها واستصحابها بسبب مطر أو مرض، وأمروا بعد ذلك بالتيقظ والاحتياط فقال سبحانه: {وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ} أي بعد إلقاء السلاح للعذر لئلا يهجم عليكم العدو غيلة، واختار بعض أئمة الشافعية أن الأمر للندب، وقيدوه بما إذا لم يخف ضررًا يبيح التيمم بترك الحمل، أما لو خاف وجب الحمل على الأوجه ولو كان السلاح نجسًا ومانعًا للسجود وفي «شرح المنهاج» للعلامة ابن حجر ولو انتفى خوف الضرر وتأذى غيره بحمله كره إن خف الضرر بأن احتمل عادة وإلا حرم، وبه يجمع بين إطلاق كراهته وإطلاق حرمته، والآية كما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في عبد الرحمن بن عوف وكان جريحًا، وذكر أبو ضمرة ورواه الكلبي عن أبي صالح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا محاربًا وبني أنمار فهزمهم الله تعالى وأحرزهم الذراري والمال، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ولا يرون من العدو واحدًا فوضعوا أسلحتهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة له وقد وضع سلاحه حتى قطع الوادي والسماء ترش فحال الوادي بينه صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه فجلس في ظل سمرة فبصر به غورث بن الحرث المحاربي فقال: قتلني الله تعالى إن لم أقتله وانحدر من الجبل؛ ومعه السيف ولم يشعر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو قائم على رأسه ومعه السيف قد سله من غمده، فقال: يا محمد من يعصمك مني الآن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله عز وجل، ثم قال: اللهم اكفني غورث بن الحرث بما شئت فانكب عدو الله تعالى لوجهه وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ سيفه فقال: يا غورث من يمنعك مني الآن؟ فقال: لا أحد قال صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله؟ قال: لا، ولكني أعهد إليك أن لا أقاتلك أبدًا ولا أعين عليك عدوًا فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه فقال له غورث: لأنت خير مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحق بذلك فرجع غورث إلى أصحابه فقالوا: يا غورث لقد رأيناك قائمًا على رأسه بالسيف فما منعك منه؟ قال: الله عز وجل أهويت له بالسيف لأضربه فما أدري من لزجني بين كتفي فخررت لوجهي وخر سيفي وسبقني إليه محمد عليه الصلاة والسلام فأخذه وأتم لهم القصة فآمن بعضهم ولم يلبث الوادي أن سكن، فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فأخبرهم الخبر وقرأ عليهم الآية. اهـ.

.قال الفخر:

{وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ} والمعنى أنه لما رخص لهم في وضع السلاح حال المطر وحال المرض أمرهم مرة أخرى بالتيقظ والتحفظ والمبالغة في الحذر، لئلا يجترئ العدو عليهم احتيالًا في الميل عليهم واستغنامًا منهم لوضع المسلمين أسلحتهم. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ} أي كونوا متيقظين، وضعتم السلاح أو لم تضعوه وهذا يدل على تأكيد التأهّب والحذر من العدوّ في كل الأحوال وترك الاستسلام؛ فإن الجيش ما جاءه مَصابٌ قطّ إلا من تفريط في حذر.
وقال الضحاك في قوله تعالى: {وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ} يعني تقلّدوا سيوفكم فإن ذلك هيئة الغزاة. اهـ.

.قال الفخر:

إن قوله في أول الآية {وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ} أمر، وظاهر الأمر للوجوب، فيقتضي أن يكون أخذ السلاح واجبًا ثم تأكد هذا بدليل آخر، وهو أنه قال: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم} فخص رفع الجناح في وضع السلاح بهاتين الحالتين، وذلك يوجب أن فيما وراء هاتين الحالتين يكون الإثم والجناح حاصلًا بسبب وضع السلاح.
ومنهم من قال: إنه سنة مؤكدة، والأصح ما بيناه ثم الشرط أن لا يحمل سلاحًا نجسًا إن أمكنه، ولا يحمل الرمح إلا في طرف الصف، وبالجملة بحيث لا يتأذى به أحد. اهـ.
قال الفخر:
قال أبو على الجرجاني (صاحب النظم): قوله تعالى: {وخذوا حذركم} يدل على أنه كان يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بصلاة الخوف على جهة يكون بها حاذرًا غير غافل عن كيد العدو.
والذي نزل به القرآن في هذا الموضع هو وجه الحذر، لأن العدو يومئذ بذات الرقاع كان مستقبل القبلة، فالمسلمون كانوا مستدبرين القبلة، ومتى استقبلوا القبلة صاروا مستدبرين لعدوهم، فلا جرم أمروا بأن يصيروا طائفتين: طائفة في وجه العدو، وطائفة مع النبي عليه الصلاة والسلام مستقبل القبلة، وأما حين كان النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان وببطن نخل فإنه لم يفرق أصحابه طائفتين، وذلك لأن العدو كان مستدبر القبلة، والمسلمون كانوا مستقبلين لها، فكانوا يرون العدو حال كونهم في الصلاة فلم يحتاجوا إلى الاحتراس إلا عند السجود، فلا جرم لما سجد الصف الأول بقي الصف الثاني يحرسونهم، فلما فرغوا من السجود وقاموا تأخروا وتقدم الصف الثاني وسجدوا وكان الصف الأول حال قيامهم يحرسون الصف الثاني، فثبت بما ذكرنا أن قوله تعالى: {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} يدل على جواز هذه الوجوه؛ والذي يدل على أن المراد من هذه الآية ما ذكرناه أنا لو لم نحملها على هذا الوجه لصار تكرارًا محضًا من غير فائدة، ولوقع فعل الرسول بعسفان وببطن نخل على خلاف نص القرآن وإنه غير جائز، والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
قالت المعتزلة: إن الله تعالى أمر بالحذر، وذلك يدل على كون العبد قادرًا على الفعل وعلى الترك وعلى جميع وجوه الحذر، وذلك يدل على أن أفعال العباد ليست مخلوقة لله تعالى، وجوابه ما تقدم من المعارضة بالعلم والداعي، والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
دلت الآية على وجوب الحذر عن العدو، فيدل على وجوب الحذر عن جميع المضار المظنونة، وبهذا الطريق كان الإقدام على العلاج بالدواء والعلاج باليد والاحتراز عن الوباء وعن الجلوس تحت الجدار المائل واجبًا والله أعلم. اهـ.

.قال البيضاوي:

{إِنَّ الله أَعَدَّ للكافرين عَذَابًا مُّهِينًا} وعد للمؤمنين بالنصر على الكفار بعد الأمر بالحزم لتقوى قلوبهم وليعلموا أن الأمر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة عدوهم، بل لأن الواجب أن يحافظوا في الأمور على مراسم التيقظ والتدبر فيتوكلوا على الله سبحانه وتعالى. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ الله أَعَدَّ للكافرين عَذَابًا مُّهِينًا} تعليل للأمر بأخذ الحذر أي أعدّ لهم عذابًا مذلًا وهو عذاب المغلوبية لكم ونصرتكم عليهم فاهتموا بأموركم ولا تهملوا مباشرة الأسباب كي يعذبهم بأيديكم، وقيل: لما كان الأمر بالحذر من العدو موهمًا لغلبته واعتزازه نفى ذلك الإيهام بالوعد بالنصر وخذلان العدو لتقوى قلوب المأمورين ويعلموا أن التحرز في نفسه عبادة كما أن النهي عن إلقاء النفس في التهلكة لذلك لا للمنع عن الإقدام على الحرب، وقيل: لا يبعد أن يراد بالعذاب المهين شرع صلاة الخوف فيكون لختم الآية به مناسبة تامة، ولا يخفى بعده. اهـ.

.قال الخازن:

فصل في أحكام تتعلق بالآية وصفة صلاة الخوف:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال أبو يوسف والحسن بن زياد من أصحاب أبي حنيفة صلاة الخوف كانت خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لغيره بعده فعلها، وقال المزني من أصحاب الشافعي كانت ثابتة ثم نسخت واحتجوا لصحة هذا القول بأن الله تعالى خاطب نبيّه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} وظاهر هذا يدل على أن إقامة الصلاة مشروطة بكون النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فدل على تخصيصه بها ولأن كلمة إذا تفيد الشرط وذهب جمهور العلماء والفقهاء إلى أن هذا الحكم لما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم بحكم هذه الآية وجب أن يثبت في حق غيره من أمته لقوله تعالى: {فاتبعوه} ولقوله صلى الله عليه وسلم: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» ولأن ذلك إجماع الصحابة على فعلها وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه صلّى صلاة الخوف بأصحابه ليلة الهرير وكذلك أبو موسى صلّى بأصحابه بطبرستان وليس لهؤلاء مخالف من الصحابه وأجيب عن قوله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} بأن هذا وإن كان قد خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم فإن سائر أمته داخلون في هذا الحكم فهو كقوله: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} إلا أن يرد نص بتخصيصه صلى الله عليه وسلم بحكم دون أمته كقوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين} ونظير قوله: {وإذا كنت فيهم} قوله: {خذ من أموالهم صدقة} وإذا كان هو المخاطب بها وقد ثبت حكم أخذ الزكاة لمن بعده من الأئمة كان كذلك قوله وإذا كنت فيهم وأجيب عن لفظه إذا: بأن مقتضاه الثبوت عند الثبوت وأما العدم عند العدم فغير مسلم.